الأربعاء 23 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الجينز: سروال العقل والمؤخرة

الجينز: سروال العقل والمؤخرة


تستطيع بالعين القريبة التى ترى بها أفخاذ ومؤخرات البنات بارزة مُشرئبة.. تتجلى بوضوح، وترتج مع ألوان الجزء السُّفلى من الملابس الداخلية المكشوفة بأكملها تحت أشرطة طولية يسمونها «جينز ع الموضة».. أو ما تبقى من بنطال جينز أزرق أكل عليه الدهر وشرب .. شىء مهلهل للغاية.. تستطيع أن تحكم بأننا نعيش حقبة جديدة صارخة من العدمية أو من قلة الحياء.. وربما بالعين البعيدة تستطيع أن تتقمص حِكمة الزُّهاد الذين روعهم هذا الانحطاط الفقرى والاحتياج المُذل لكثير من دول العالم للأكل والسكن والعلاج والسلام، فى الوقت الذى يرتع فيه حُكامه وبعض رجالات المال والأعمال والصناعة فى فخفخة قد تفوق خيال رغد العيش فى الجنة.. فكان أن خرجت موضة أزياء - فقيرة فى مظهرها باهظة فى سِعرها - تجبر أثرياء الكون على مشهد تمثيلى بشظف العيش وارتداء سراويل جينز ممزقة إلى أقصى درجات التمزيق المحتمل.. تشبه ملابس المساكين المعدمين.. شىء من خلع البراندات لفترة والتخلص من أعباء عقدة وجع الضمير.. وربما بالعين الأبعد جدّا تراها عودة أكيدة لجماعة الهيبيز الذين انقرضوا مع ثمانينيات القرن الماضى والذين كانوا صرخة فلسفية صوفية فى وجه المادية.. وربما بالعين الأبعد والأبعد ستراها واحدة من ألعاب الرجال المزمنة بعقل وجسد المرأة.. النسوة اللواتى يتلاعب بأجسادهن الرجال مرَّة بحشر مفاتنهن فى عباءة وشادور ومرَّة بعرضهن فى «فتارين» دعارة.. أو فيما تبقى من بناطيل جينز ممزقة تكشف الجزء السُّفلى المثير من أجسادهن.. النسوة هن لعبة الرجال فى أبد الدهر.
منذ أن انطلقت  Amazon Fashon Week in Tokyo فى أكتوبر من العام الماضى لترسخ ظاهرة البنطلون الجينز الأكثر بؤسًا وتهلهلًا حتى انتشرت تلك الموضة بسرعة الصوت والضوء فى أمريكا أولًا، وثانيًا فى معظم دول أوروبا.. حال دون انتشارها القوى فى أربعة أرجاء المعمورة أن هذهِ الموضة انطلقت فى الشتاء وليس الصيف.. هذا سبب.. سبب آخر يتعلق بشكلها المزرى والمثير فى آن واحد.. ربما لن تجد هذهِ الموضة رواجًا فى شوارعنا العربية التى تعج برجال لا يفضلون غض الأبصار لكنهم يستسهلون «تخييم» المرأة أو اغتصابها.
هذهِ الموضة الممزقة هى فكرة شيطانة أمريكية المولد والمنشأ مثلها مثل جينز رجل الكاوبوى الأول - الأوروأميركيون الإنجليز والألمان والإيطاليون ومعهم اليابانيون - الذين سطوا وسحقوا الهندى الأحمر واستولوا على أرضه ونسائه وقالوا هذهِ أرضنا أمريكا الشمالية.. من يومها والجينز لعبتهم.. حتى تلك الأخيرة المثيرة للعين والجدل هى أيضًا لعبة أمريكية بامتياز.
بعدها صار الجينز موضة صارخة فى عالم الأزياء منذ عام 1873.. الموضة التى وحَّدت بين فقراء الكون وأثريائه.. ستلاحظ أن الهندى سواءً فى أمريكا أو فى بلاده بـ«آسيا» لا يعبأ بتلك الموضة التى تُذكره بالمذابح التى قام بها الرجل الأبيض حين احتل أمريكا.
رُغْمَ أن شهرة الجينز الأزرق تعود فى الأساس لرجل الكاوبوى فإن انتشارها فى العالم انطلق مع انطلاق جماعة الهيبيز، التى موطنها الأصلى كان أمريكا فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. تلك الحركة الشبابية التى انطلقت كرد فعل للقيم الرأسمالية.. فكان أن ارتدى مريدوها سراويل جينز .. ثمّ تردوا على كل القيم المادية وتقاسموا الممتلكات.. ورفضوا أن يكون لهم بيت ثابت أو وطن معين  ..ثمّ أطالوا الشَّعر والأظافر.. رويدًا رويدًا انحسرت هذهِ الحركة حين سحقتها المادية من جديد وانتصرت عليها.. فلماذا لا تكون موضة السراويل الجينز المهلهلة هى منازلة جديدة ضد النظام الرأسمالى فى شكله الأقبح على الإطلاق؟ فقط لو قرر الرجال ارتداءه لتبدو منه سراويلهم الداخلية السفلى.